.. حِكايـةُ باهِـر و التعاون ..
---------------------------------
*
**
***
كان ياما كان ... كان في إحـدى القُرى الجميلة شابٌّ جميلٌ اسمُه باهِـر ، وكان مُجتهدًا في دراسته .
وكان يُحِبُّ في أيام الأجازة أن يلعبَ بالكُرة .. ولكنَّه كان يُحِبُّ أن
يلعبَ وحده ، ويجلسَ وحده ، ويُذاكرَ وحده ، فلا يختلط بأصدقائه وجيرانه
أبدًا .
وفي يومٍ من الأيام خرج باهِـر ليلعبَ الكُرةَ ، ويستمتعَ
بها ، وبينما هو يلعبُ بالكُرة ، إذ وقعت الكُرةُ فوق الشجرة ، فذهب وأحضر
مجموعةً مِن الحِبال ، ليصعـد الشجرةَ ويُحضِر الكُرة .
فقال له والِدُه : يا بُنَيَّ ، لماذا أحضرتَ هـذه الحِبال ؟
باهِـر : لأصعدَ فوق الشجرة ، فقـد سقطت الكُرةُ فوقها .
والِدُه : ولماذا تُتعِب نفسَكَ وأنتَ تعلمُ أنَّ صديقَكَ عُمـر ماهِـرٌ
جدًا في صعود الشجرة ، ويستطيعُ أن يُحضِرها لكَ في دقيقة واحدة ؟!
باهِـر : لا أُريدُ شيئًا من أحد .. فأنا لا أحتاجُ لأحدٍ من البشر .
والِدُه : كما تُريدُ يا بُنَيَّ ، لكنْ لا تندم إذا وقعت .
لم يلتفت باهِـر لكلام والده .. وقام وعلَّق الحِبالَ على الشجرة ، وبدأ
يصعد ، فانزلقت رِجلُه ، فسقط على ظهره ، وأخذ يصرخ ، فجاء جيرانُه وزملاؤه
في المدرسةِ ، وحملوه إلى المُستشفى ، حيثُ تَمَّ عِلاجُه خلال أُسبوعين ،
وعاد إلى بيتِه سليمًا مرةً أخرى .
وبعـد أيامٍ خرج باهِـر
ليلعبَ الكُرةَ مرةً أخرى ، فسقطت منه في ماء النهر ، فذهب وأحضر الحِبالَ
مرةً أخرى ، فقابله والِدُه ، وقال له : ماذا تُريدُ أن تفعلَ يا باهِـر ؟
باهِـر : سأسبحُ في الماء ، وأُلقي الحِبالَ على الكُرةِ ، لأُخرجها من الماء .
والِدُه : لكنَّكَ يا باهِـر لا تستطيعُ السِّباحةَ ، فلماذا لا تطلبُ من جاركَ عَمرو ، فهو يُجيدُ السِّباحة ؟!
باهِـر : لا أُريدُ خِدمةً من أحد .. ثُمَّ إنِّي أُجيدُ السِّباحةَ أيضًا .
ذهب باهِـر إلى النهر ، ونزل ليُحضِرَ الكُرةَ ، ثم ألقضى الحِبالَ ،
فابتعدت الكُرةُ ، فدخل وراءها وغاص في الماء ، وأخذ يصرخ : أنقِذوني ..
أنقِذوني ، فجاء جيرانُه وزملاؤه مرةً أخرى وأنقذوه .
فظَلَّ أيامًا طويلةً مريضًا في منزله ، إلى أن شفاه اللهُ ( جلَّ وعلا ) ، وبدأ يخرج .
وفي يومٍ من الأيام خرج باهِـر ، وأحضر الحِبالَ للمرةِ الثالثة ، فرآه
والِدُه ، وقال له : إيَّاكَ أن تقولَ أَنَّكَ ستصعدُ الشجرةَ أو ستنزلُ
النهر .
باهِـر : كلاّ يا أبي ، ولكنِّي أحضرتُ الحِبالَ لأصنعَ
حدودًا حول حديقةِ منزلنا ، حتى لا يأتيَ أىُّ أحدٍ من جيراننا أو من
زُملائي ، فيأكلوا من الفاكهةِ التي فيها .
فحزِنَ والِدُه حُزنًا
شديدًا ، وقال له : يا بُنَيَّ ، إنَّ اللهَ خَلَقَ الناسَ مِن أجل أن
يعبدوه ، ويعمروا هـذا الكون ، ولن يعمر الكونَ إلَّا إذا تعاون الناسُ
فيما بينهم .. فأنتَ لا تستطيعُ أن تعيشَ في هـذا الكون وحـدك .. بل
ستحتاجُ إلى جارِكَ ، وجارُكَ سيحتاجُ إليك ... وستحتاجُ إلى زُملائِكَ ،
وزُملاؤكَ سيحتاجون إليكَ ... وهكـذا .
ثُمَّ دعني أسألُكَ
سُؤالاً يا بُنَيَّ : ألم تقُل أنَّكَ لا تُريدُ خِدمةً من أحد ؟ .. فمَن
الذي أنقذكَ في المرتين ؟ .. لقـد أنقذكَ جيرانُكَ وزملاؤكَ ، وكان مِن
المُمكِن أن يتركوكَ حتى تموت .
يا بُنَيَّ ، لن تستطيعَ أن تعيشَ وحـدكَ في هـذا الكون .
قال باهِـر : فهمتُ يا أبي ، وتعلَّمتُ هـذا الدرسَ جيدًا .
وفي يومٍ من الأيام ، خرج باهِـر وأحضر الحِبالَ للمرةِ الرابعة ، فرآه
والِدُه ، وقال له : يا باهِـر ، ماذا ستصنعُ بالحِبال هـذه المرة ؟
باهِـر : سأحمِلُ بها الفاكهةَ ، لأُقدِّمَها هَديةً لجيراني وزُملائي يا أبي .
والِدُه : أحسنتَ يا باهِـر ... فالناسُ يُحِبُّون مَن يسألُ عنهم ،
ويُحسِنُ إليهم ... وسترى يا بُنَيَّ أَنَّكَ عندما تتعاونُ مع الناسِ مِن
حولِك ، فسوف تعيشُ حياةً سعيدة .
** الدروسُ المُستفادَة :
-------
1- ينبغي أن يكونَ الطالِبُ المُسلمُ مُجتهدًا في دراسته ، ومُتفوقًا ، ليكونَ قُدوةً لغيره .
2- لا بأسَ أن يلعبَ الطالِبُ في يوم الإجازة ، ليستعيدَ نشاطَه للدراسةِ مرةً أخرى .
3- لا ينبغي أن يُغامِرَ المسلمُ بحياتِه أبدًا كما غامَرَ باهِـر بحياتِه
عندما صعد إلى الشجرة وهو لا يُجيدُ الصعودَ إليها ... وعندما نزل النهرَ
وهو لا يُجيدُ السِّباحة .
4- لا بأسَ أن يطلبَ المسلمُ من أخيه أو جاره أن يُساعِـدَه في عملِ أىِّ شئٍ ، فالحياةُ كُلُّها تعاون .
5- لا يستطيعُ الإنسانُ أن يعيشَ وحدَه ... بل لا بُدَّ أن يتعاون مع غيره
مِن أهلِه وجيرانِه وزُملائِه ، ليعيشوا جميعًا أسعـدَ حياة .
من حكايات عمو محمود للأطفال ( الشيخ محمودالمصري جزاه الله خيرا)