مقالات مترجمة من كتاب المربية الخارقة«Super Nanny»
جو فروست
التحدث مع الطفل:
قد تواجه الأم صباحا سيئا بينما يستمر الطفل بالجري وإثارة الفوضى في غرفة الجلوس، والأم تصرخ به: «توقف!» إلا أن الطفل يستمر بالجري ولا يعير الأم أدنى انتباه. تكرر الأم الصراخ مرة أخرى: «توقف فورا». «كلا، لا تلمس ذلك الشيء». لكن هذه الكلمات تقع على أذن صماء. تكرر الأم الصراخ: «هل سمعت ما قلت لك ؟ توقف فورا!».
إن استمرار الأم بالصراخ بهذه الطريقة لا يعني للطفل سوى شيئا واحدا وهو أنك تخضعين لتلاعب الطفل وهو يحاول جذب انتباهك من خلال هذه السلوكيات المشاغبة. وإن مخاطبتك إياه بهذا الشكل يكشف للطفل أن مهمته تكللت بالنجاح. إن الصراخ المستمر على الطفل سوف لن يغير من سلوكه نحو الأفضل بل يسبب الإزعاج لك وللطفل أكثر مما يساعد في تهذيبه وسوف يرفع من درجة حرارة عواطفه إلى نقطة الغليان. إذن من الذي سيفقد السيطرة الآن؟
لننظر الآن إلى الناحية الأخرى، على الأم التي لا تلجأ إلى الصراخ والصياح أن تفخر بنفسها، وأنها تستخدم بدلا من ذلك عبارة لطيفة مثل: «رجاء لا تفعل ذلك»، وهي تبتسم وكأن شيئا لم يكن. فالخطوة الأولى في تهذيب الطفل هي أن نتعلم كيف نتحدث معه.
المبالغة في الكلام
عندما تتحدثون إلى الأطفال فاعلموا أن تركيزهم سوف لن يكون منصبا على ما تقولون فقط. فقد يمر كلامكم من فوق رؤوسهم خصوصا إذا استخدمتم عبارات طويلة ومعقدة. عادة ما يأخذ الطفل الرزمة بأكملها كنبرة الصوت ولغة الجسد، فهم يدركون إذا ما كانت الأم غير واثقة من نفسها أو قلقة أو منزعجة. كما قلت من قبل أن الأطفال يمتلكون مستقبلات قوية جدا. وفي بعض الأحيان هم يستخدمون الحاسة السادسة التي نغفل عنها نحن الكبار.
حاول أن تبالغ وأنت تتحدث مع الطفل، أي حاول أن تستخدم تعبيرات مبالغ فيها. الأمر أشبه ما يكون بلعبة تبادل الأدوار. بعض الآباء يفعلون ذلك بدقة إلا أن البعض الآخر يشعرون أن هذا الأسلوب يجعلهم حمقى أو غير واثقين من أنفسهم. على الأم أن تتحلى بالثقة وهي تتحدث مع الطفل، أو عند الاستجابة لما يقوله الطفل. بعض الأساليب تجدي في تخفيف حدة الأمر، فمثلا عندما تشير الأم إلى نفسها بصيغة الشخص الثالث، كقولها : «والآن ماما ستغسل لك يديك».
النبرة السلطوية
إذا ما ارتكب الولد عملا خاطئا فعلى الأم أن تتعاطى مع ذلك الموقف بنبرة سلطوية. وكما يلي:
• اقتربي من الطفل ولا تصرخي به من بعيد.
• انزلي إلى مستوى الطفل، واجلسي القرفصاء لكي يكون هناك اتصال مباشر بين عينيك وعيني الطفل، وتجنبي إصدار الأوامر من الأعلى مما يجعل الطفل يتجاهل هذه الأوامر.
• أمسكي بالطفل من ذراعيه لكي لا تكون له فرصة للهرب أو قطع الاتصال مع عينيك وإذا ما حاول الطفل الإفلات قولي له: «انظر لي رجاءا».
• لا تهددي الطفل و لا تعظي على أسنانك بسبب الغضب.
• استخدمي نبرة صوت منخفضة ولكن حازمة وآمرة، وهي بالتأكيد تختلف عن نبرة الغضب أو نبرة المساومة. بل هي نبرة واضحة لا تترك مجال للطفل أدنى مجال للشك في أنك جادة فيما تقولين، وهي نبرة تعبر عن الاستياء.
• قولي للطفل بهدوء وبوضوح ما هو خطؤه فمثلا: «إن ضرب الآخرين أمر غير مسموح، فلا تضرب الآخرين»، أو«رجاءا لا تكرر ذلك».
بعض الأحيان تحدث معجزة ويكون هذا الإجراء كاف. فالأطفال الصغار خبراء في اقتناص بعض الإشارات الجزئية. فقد يكون صوت منخفض وحازم ولغة جسد واثقة كافيان لتمرير الرسالة.
إن نبرة الصوت الآمرة تفهم الطفل بأن هناك حدود وضوابط عليه أن لا يتجاوزها. كما يجب الفصل بين السلوك السيئ للطفل وبين الطفل نفسه، فمن الخطأ أن يوسم الطفل بعمله الخاطئ. من غير الصحيح أن تجعل الطفل يشعر بأنه عديم الأهمية أو تتسبب في إرعاب الطفل لكي تجبره على التزام النظام وذلك من خلال الأساليب الغاضبة. بل يجب أن توضح للطفل بشكل لا يقبل الشك أن ما قام به هو سلوك غير صحيح وغير مقبول. بعض الآباء لا يمتلكون المسئولية بشكل فطري وعليهم أن يجهدوا أنفسهم قليلا من أجل تطوير ثقتهم بأنفسهم ومن أجل أن يتمكنوا من تحقيق بعض التقدم في هذا المضمار. فإذا كنت أحد أولئك الآباء الذين لا يثقون بأنفسهم بشكل كامل، فإن طفلك سيلتقط ذلك من خلال نبرة صوتك. لذلك يمكن أن يكون التمرين أمام المرآة ضروري في بعض الأحيان.
نبرة الاستحسان والرضا:
هل تذكر آخر مرة مدحت طفلك؟ ومتى كانت آخر مرة منحت فيها طفلك الاستحسان الكامل؟ نصف ساعة مضى ولم يطارد طفلك القطة أو أخته الصغيرة، كما أنه تناول غداءه (أغلبه)، أو أنه وافق على شد حزام الأمان في السيارة بدون أن يثير الفوضى.
هل تعلم أن نصف ساعة بدون مشاكل يعتبر زمنا طويلا بالنسبة للطفل. فإذا لم يتلقى الطفل الثناء على هذه الأعمال الصغيرة التي قام بها فإنه سيعتقد بأنك لم تنتبه له وهو يمارس هذا السلوك الحسن، لذا فإنه سيبدأ بالتفكير بأسلوب آخر لشد انتباهك.
ماذا لو جريت وراء القطة ؟ ربما لو قلبت الإناء الذي آكل منه على الأرض سيكون الأمر مثيرا ؟ وماذا عن ضرب أخي الصغير؟
عندما يرى طفلك أن سلوكه الحسن لا يثير انتباهك فإنه بالتأكيد سيلجأ إلى تلك الأساليب التي طالما نجحت في جلب انتباهك من قبل.
لا تبخل في الإطراء على طفلك، إن توجيه الإطراء للطفل عندما يقوم بعمل حسن سوف لن يفسد أخلاقه ولن يجعل منه مختالا أو متكبرا.
والسلوك الجيد ليس بالضرورة أن يكون عملا كبيرا، بل مجرد ترك السلوك السيئ يعتبر عملا جيدا يستحق الإطراء. قد يجد بعض الآباء فترة الهدوء التي يمر بها الطفل فرصة لإنجاز بعض الإعمال وينسون أن يخبروا أطفالهم بأنهم لا حظوا سلوكهم الجيد وأنهم يقدرون لهم ذلك.
في بعض الحالات تكون عملية الإطراء على الطفل مهمة جدا وبالخصوص عندما يكون الطفل الآخر يتحرك بقوة مثيرا عاصفة هوجاء في غرفة الجلوس من أجل شد انتباهك. عليك في هذه الحالة معالجة السلوك السيئ للطفل المشاغب ولكن في نفس الوقت يجب أن لا تنسى الثناء على الطفل الذي يلتزم بالهدوء والنظام لأن تعزيز السلوك الإيجابي لدى الطفل تعتبر من الأمور الأساسية. حاول توجيه طفلك باتجاه السلوك الذي تريد من خلال المدح والتشجيع، وإبعاده عن السلوك السيئ من خلال الالتزام بالضوابط.
تذكر أيضا أن نبرة الأمر يجب أن تكون منخفضة وقوية ومسيطر عليها، ذلك إن بعض غالبا ما يخاطبون أبنائهم بصوت عال وهذه النبرة يجب أن تستخدم في حالة الرضا لتعبر للطفل عن فرحك وابتهاجك. يمكنك أيضا أن تصفق أو تستخدم عبارات تنم عن الفرح فعلى سبيل المثال يمكنك القول: «أحسنت يا بني لقد أكملت غداءك كله». من الأفضل أن يبين الأبوان طيف أن فعل الطفل أدخل السرور على قلبهما. وهناك أساليب كثيرة للتعبير عن ذلك فمثلا، يمكنك أن تربت على كتفي الطفل وأن تقول له: «ما أجمل طريقة لعبك»، «أحسنت! لقد كنت خير عون لأبيك».
صوت المنطق:
هل تعلم أن الطفل قادر على التقاط الكثير من الإشارات، صحيح إنه لا يستطيع تحليل الأمور كالكبار لكنه يستطيع قراءة ما بين السطور. فنبرة الصوت ولغة الجسد توحي للطفل معان كثيرة , واستجابة الطفل تعتمد على طريقة صياغتك للعبارات التي تستخدمها معه. فيمكنك أن تفر على نفسك الكثير من المتاعب من خلال انتقاءك لكلمات مناسبة للتعبير عن الأشياء. إذن لا بد من التفكير قليلا قبل التحدث مع الطفل. فإذا ساومت الطفل فإنه سيساومك أيضا ً و لا تتوسل إلى الطفل، بل سله وأجبه. فلا يمكنك أن تحسن من طباع الطفل ما لم تخاطبه بالشكل المناسب. دائما قل له «رجاءا» فهذه الكلمة لا تكلفك شيئا.
لطالما دهشت من عدد الخيارات التي يضعها الآباء أمام أبنائهم الصغار. فالطفل الصغير ابن السنتين أو الثلاث سنوات لا يمكنه الاختيار بين ستة أو سبعة أو عشرة خيارات. أما الأولاد الأكبر سنا بين الأربع أو الخمس سنوات فيمكنهم التعاطي مع بعض الخيارات والقرارات البسيطة. كما لاحظت أن الكثير من الآباء يكرهون فكرة توجيه الطفل لأنهم يظنون إن هذا الإجراء قد يحولهم إلى دكتاتوريين وليسوا آباء محبوبين كما يودوا أن يكونوا. لذلك فهم وبدلا من أن يقولوا لأولادهم ما ينبغي عليهم فعله، يضعون أمام الطفل مجموعة خيارات من أجل أن يراهم أبنائهم كآباء عطوفين ومهتمين بهم. وفي حالات أخرى، تقدم الخيارات للطفل كمحاولة أخيرة لإقناع الطفل بأمر ما. فمثلا تحاول الأم تبديل ملابس الطفل فيبدأ بالمقاومة، تفسر الأم هذه المقاومة إن الطفل لا يرغب بارتداء البنطلون الأزرق، فتبدأ بوضع عروض أخرى أمامه في محاولة منها لإسعاده، «هل ترغب بارتداء البنطلون الأخضر بدلا من الأزرق؟» وشيئا فشيئا تتراجع لأم أمام رغبات الطفل وتجد نفسها محشورة في الزاوية، ويبقى الطفل غير راغب بأي بنطلون على الإطلاق.
إن عدم وضع مجموعة خيارات أمام الطفل لا يعني أن الأم قد تحولت إلى شخص مستبد يوزع الأوامر يمينا وشمالا وكأنها عريف في الجيش، بل يمكنها تمرير الرسالة التي تريد بواسطة مجموعة من التوجيهات الواضحة والإطراء والمشاركة فمثلا تقولين للطفل: «دعنا نلبسك جواربك رجاءا، تستطيع أن تسحب جواربك قليلا نحو الأعلى، ممتاز. والآن ارتد حذاءك من أجل ماما».