فوائد محاسبة النفس
الشيخ حاتم فريد الواعر
التاجر
الناجح يلجأ إلى تقييم ما يربحه و ما يخسره من بضاعة كى يزداد نماؤه فى
تجارته ، فيتعرف على أسباب الخسارة فيجتنبها ، و يتعرف على أسباب المكاسب
فيلزمها .
و المسلم الذى يحاسب نفسه يتعرف أيضا على مواطن الضعف و مواطن القوة كى يضمن سلامتها من العيوب و الآفات .
و
من فوائد محاسبة النفس الإطلاع على عيوبها و معرفة قدرها ، فإذا عرف
الإنسان أنه صاحب الذنب و المعصية أدى به إلى مقتها فى ذات الله فهذه النفس
انت تعلم منها أنها فى يوم من الأيام قد عصت الله و رسوله و أنها لما غابت
عنها أعين الرقابة الأرضية سرقت و ارتشت و غشت ...إلخ ، فأنت الوحيد الذى
تعلم منها ذلك ، فكيف بك بعد ذلك أن تتكبر و تتعالى على الناس ، و أنت أيضا
تعرف من نفسك ما لا يطلع عليه أحد إلا الله من مساوئها و اجترائها عليه ، و
ذكر ابن أبى الدنيا عن الجلد ابن أيوب قال : كان راهب فى بنى إسرائيل فى
صومعة منذ ستين سنة ، فأتى فى منامه ، فقيل له : إن فلانا الإسكافى خير منك
، فأتى الإسكافى ، فسأله عن عمله ؟ فقال : إنى رجل لا يكاد يمر بى أحد إلا
ظننت أنه فى الجنة و أنا فى النار ، ففُضل على الراهب بإزرائه ( باحتقار
النفس ) على نفسه .
و مقت النفس فى ذات الله من صفات الصديقين و يدنو العبد به من الله تعالى فى لحظة واحدة : أضعافَ أضعافِ ما يدنو بالعمل .
و
ذكر ابن أبى الدنيا عن مالك بن دينار قال : ،، إن قوما من بنى إسرائيل
كانوا فى مسجد لهم فى يوم عيد ، فجاء شاب حتى قام على باب المسجد فقال :
ليس مثلى يدخل معكم أنا صاحب كذا يزرى على نفسه ، فأوحى الله عز و جل على
نبيه أن فلانا صديق .
و فى كتاب الزهد للإمام أحمد أن رجلا من
بنى إسرائيل تعبد ستين سنة فى طلب حاجة فلم يظفر بها فقال فى نفسه : و الله
لو كان فيك خير لظفرت بحاجتك ، فأُتى فى منامه ، فقيل له أرءيت ازدراءك
على نفسك تلك الساعة ؟ فإنه خير من عبادتك تلك السنين .
و من
فوائد محاسبة النفس أنه يعرف بذلك حق الله تعالى ، و من لم يعرف حق الله
تعالى عليه فإن عبادته لا تكاد تجدى عليه وهى قليلة المنفعة جدا ، و قد قال
الإمام أحمد : حدثنا حجاج : حدثنا جرير بن حازم ، عن وهب ، قال : بلغنى أن
نبى الله موسى عليه السلام مر برجل يدعو و يتضرع ، فقال : يا رب ارحمه
فإنى قد رحمتُه ، فأوحى الله تعالى إليه : لو دعانى حتى ينقطع قواه ما
استُجِب له حتى ينظر فى حقى عليه .
فمن نظر فى حق الله عليه علم علما يقينا أنه غير مؤدٍ له كما ينبغى و أنه لا يسعه إلا العفو و المغفرة .
و
من فوائد نظر العبد فى حق الله عليه أنه لا يدعه يغتر بأى عمل يعمله ، فمن
اغتر بعمله و افتخر به لم يصعد إلى الله تعالى و لم يقبله الله ، كما ذكر
الإمام أحمد عن بعض أهل العلم بالله أنه قال له رجل إنى لأقوم فى صلاتى
فأبكى حتى يكاد ينبت البَقل من دموعى ، فقال له : إنك أن تضحك و انت معترف
لله بخطيئتك خير من أن تبكى و أنت مُدِلٌ ( مفتخر ) بعملك ، فإن صلاة المدل
لا تصعد فوقه .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته