علمو اولادكم حب الخير ....
كان مشروعه الخيري الأول ... هو أسرته ... أطفاله ...!
كان يعلمهم الخير كما يعلمهم الصلاة ... لا بل كما يعلمهم حروف الهجاء وأدب الطعام ...
كان عندما يشتري احتياجات الأسرة من الجمعية كل أسبوع لا ينسى أن يضع مقدارا
من الخير في سلته !
ويحملها مبتهجا لأطفاله !
فقد كان يشتري لهم طعام المدرسة : علب عصير، فطائر، كعك صغير، بسكويت ...
وقطعة شوكلاته يختارها من النوع القابل للتوزيع الذي يحتوي على أكثر من قطعة
صغيرة ومغلفة (أولكر الأحمر –إذا تذكرونه) ...
ليعلمهم أن يتشاركوا الحلوى مع من لا يملك الحلوى فيكون طعمها أحلى ...
كان يأخذهم من المدرسة كل يوم، ثم إذا رأى شيخا كبيرا يسير في الشمس اللاهبة
متكئا على عكازه "يشاورهم" في التوقف "ويسألهم عن رأيهم" في أن يفسحوا له
المجال ليركب في المقعد الأمامي للسيارة ... ثم إذا وافقوا "يشكرهم على عملهم
الخيري" ويعدهم بيقين أنهم سيجدوا من يحملهم إذا احتاجوا ذلك يوما ... مهما
تباعد الزمن ...
لأن الخير شجرة إذا غرستها فإنها تظلك يوماً ...
كان إذا عطش أحد أطفاله في الطريق لحلقة القرآن أو في درس الرياضة ... يشتري
الماء والعصير للصف كاملا ...
ليعلم صغاره أن يرووا الآخرين ... وليعلمهم أن يحسوا بالظمأى في كل مكان ...
كان يعلمهم أن إزالة الجذع من الطريق المقابل للمدرسة ... صدقة ...
الابتسامة ... صدقة ...
اللعب في (الفسحة) مع من لا صديق له من الأطفال ... صدقة ...
مشاركة الحلوى مع من لايملكها ... صدقة ...
غرس النبتة في ساحة المدرسة –في حصة العلوم- وسقيها ... صدقة ...
تقديم الزر والسكر لحارس المدرسة (عمو سعيد) ... صدقة ...
إطعام البلبل الصغير في بيتهم ... صدقة ...
تطييب خاطر (دلولة) لما بكت من تصرف (سارونة) الحاد ... صدقة
...
كان حريصا جدا على أن يحفّظهم القرأن ... ويكافأهم على حفظ السورة بمكافآت قيمة
أو رحلات ممتعة ...
وعندما وصلت صغيرته ذات السنوات الثمان لسورة "الإنسان" علمها أن الله يحب
"الإنسان" ويكرمه ، ولذلك جعل سورة كاملة في القرأن باسمه في كل حرف منها
عشر حسنات إلى 70 ضعف ...
وأننا يجب أن نتلو سورة الإنسان بلساننا عندما نسمّعها لـ (بابا أو ماما أو أبلة
الدين) ...
ونتلو سورة الإنسان بيدنا عندما نقسم لوح الشوكلاته لنصفين أو نشتري بدل الثوب
ثوبين لنا ولإنسان فقير ...
وعلمها أننا إن فعلنا ذلك لن
يصيبنا فزع القيامة ... ولا حر النشور ...
وسندخل الجنة ونلعب مع (أصدقائنا الولدان المخلدون) ...
كان يذهب لمخيمات اللاجئين في مهمات خيرية، ثم يتصل على طفلته من هناك
ليسمعها صوت أختها في الخير والإنسانية والدين ...
ثم يحمل صور الخير إليهم إذا عاد ... ويجعل هداياه لأطفاله هدايا خيرية لينقل إليهم
الإحساس بجمال وقيمة الخير ...
كان يقول لهم أن لي سبعة من الولد على الرغم من أن الله رزقه بستة (ثلاث إناث وثلاث ذكور) ... وكان يصر على ذلك !
فإذا تساءلوا عن أخيهم السابع أخبرهم أنه قريب بعيد ... لأنه يسكن في قلب أبيه وفي
أفريقيا معا !
ويريهم صورته ... ويحكي لهم أخباره كلما جاء تقرير كفالة اليتيم من اللجنة ...
وفي ليلة العيد كان يخبرهم أن هناك من أرسلناه ليوصل هدية نورة إلى أختها اللاجئة في لبنان ...
وثوب سمية الجميل الذي تبرعت به لصديقتها في أفريقيا ...
وعيدية حصة التي ادخرتها لهدى في المغرب ...
وألعاب محمد لأطفال اليمن ...
أرسلناه حقيقة لا وهما ... لا كما ترون في الرسوم المتحركة من شخصيات وهمية ...
بل كما ترون في صور الخير التي أحضرها كلما سافرت ...
كان يهتم بالتفاصيل ... تفاصيل البسمة ... تفاصيل الشعور ... تفاصيل جبر الخواطر ...
كان ينام أحيانا في ليلة الصيف اللاهبة دون أن يشغل جهاز التكييف ... أو في ليل
الشتاء القارس دون تدفئة ...!
ثم يحكي في الصباح لصغاره عن معاناته ... ليحسوا معه ليل الفقراء بلا مأوى بلا كساء !
كان يلمس الجانب الطيب في نفوس صغاره ويعززه بإكبار ... ويتعامى ويتغافل عن عيوبهم ...
كان يعزز الوداعة والإبداع والعاطفة في البنات ... ويستثمره في الخير ...
كان يستثمر الشجاعة والاندفاع والجرأة في البنين ويصبه في صالح الخير ...
فكبروا وكبر حب الخير فيهم لأنه رعاه و"آمن به" ...
وتقاصر الشر في النفوس لأنه دفنه حين تعامى عنه ..
.
فكان صغاره الذين كبروا هم مشروعه الاستراتيجي الأول ... لأن أعمالهم –إن تقبلها
الله- ستصب في ميزانه ...
منقول