mado
عدد المساهمات : 2612
| موضوع: تفسير ايات سورة العنكبوت للاستاذ عمرو خالد الأحد 22 يناير - 1:25 | |
| الثبات فى ظلال سورة العنكبوت
سورة العنكبوت هى سورة الوقاية من الفتن والعصمة منها [size=12] التى يتعرض لها المسلم فى حياته ولمزيد من التفصيل أرجو مراجعة تدوينة برنامج خواطر قرآنية للأستاذ عمرو خالد عن سورة العنكبوت
ولو عدنا لصاحب الظلال الأستاذ سيد قطب رحمه الله وتابعنا بعض أقواله فى سورة العنكبوت لأدركنا أن هذه السورة العظيمة هى سورة الوقاية من الفتن وهى سورة الثبات للمسلم فى حياته يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله :
إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف وأمانة ذات أعباء وجهاد يحتاج إلى صبر وجهد يحتاج إلى احتمال فلا يكفي أن يقول الناس:آمنا وهم لا يتركون لهذه الدعوى حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به – وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه – وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب .
وبقول أيضا :
إنها لأمانة الخلافة في الأرض, وقيادة الناس إلى طريق الله وتحقيق كلمته في عالم الحياة فهي أمانة كريمة وهي أمانة ثقيلة وهي من أمر الله يضطلع بها الناس ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء
أنواع الفتن التى تعرضت لها سورة العنكبوت :
فتنة الأهل والأحباء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه , وهو لا يملك عنهم دفعا . وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم ; وينادونه باسم الحب والقرابة , واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك . وقد أشير في هذه السورة إلى لون من هذه الفتنة مع الوالدين وهو شاق عسير .
فتنة إقبال الدنيا على المبطلين ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين تهتف لهم الدنيا وتصفق لهم الجماهير , وتتحطم في طريقهم العوائق وتصاغ لهم الأمجاد , وتصفو لهم الحياة وهو مهمل منكر لا يحس به أحد ولا يحامي عنه أحد ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئا .
فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله وكل من حوله غارقا في تيار الضلالة وهو وحده موحش غريب طريد .
فتنة أن يجد المؤمن أمما ودولا غارقة في الرذيلة وهي مع ذلك راقية في مجتمعها متحضرة في حياتها , يجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يناسب قيمة الإنسان ويجدها غنية قوية وهي مشاقة لله !
وهنالك الفتنة الكبرى أكبر من هذا كله وأعنف فتنة النفس والشهوة وجاذبية الأرض وثقلة اللحم
وفى تعليقه على قول الله عز وجل :من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم
يقول فلتقر القلوب الراجية في لقاء الله ولتطمئن ولتنتظر ما وعدها الله إياه , انتظار الواثق المستيقن ولتتطلع إلى يوم اللقاء في شوق ولكن في يقين .
والتعبير يصور هذه القلوب المتطلعة إلى لقاء الله صورة موحية. صورة الراجي المشتاق الموصول بما هناك . ويجيب على التطلع بالتوكيد المريح ويعقب عليه بالطمأنينة الندية يدخلها في تلك القلوب فإن الله يسمع لها ويعلم تطلعها: (وهو السميع العليم).
والتطلع للقاء الله والإيمان باليوم الآخر والثواب والعقاب الأخروى من أكثر ما يساعد المسلم على الثبات فى مواجهه الفتن والابتلاءات
والإيقاع الرابع يواجه القلوب التي تحتمل تكاليف الإيمان , ومشاق الجهاد , بأنها إنما تجاهد لنفسها ولخيرها ولاستكمال فضائلها ولإصلاح أمرها وحياتها ; وإلا فما بالله من حاجة إلى أحد وإنه لغنى عن كل أحد
فليطمئن المؤمنون العاملون على ما لهم عند الله من تكفير للسيئات وجزاء على الحسنات. وليصبروا على تكاليف الجهاد وليثبتوا على الفتنة والابتلاء فالأمل المشرق والجزاء الطيب ينتظرانهم في نهاية المطاف وإنه لحسب المؤمن حتى لو فاته في الحياة الانتصاف
ثم تبين الآيات نموذج من الناس يعلن كلمة الإيمان في الرخاء يحسبها خفيفة الحمل هينة المؤونة لا تكلف إلا نطقها باللسان (فإذا أوذي في الله) بسبب الكلمة التي قالها وهو آمن معافى(جعل فتنة الناس كعذاب الله)فاستقبلها في جزع واختلت في نفسه القيم واهتزت في ضميره العقيدة وتصور أن لا عذاب بعد هذا الأذى الذي يلقاه حتى عذاب الله وقال في نفسه:ها هو ذا عذاب شديد أليم ليس وراءه شيء , فعلام أصبر على الإيمان , وعذاب الله لا يزيد على ما أنا فيه من عذاب ? وإن هو إلا الخلط بين أذى يقدر على مثله البشر , وعذاب الله الذي لا يعرف أحد مداه
فليست الغلطة أن صبرهم قد ضعف عن احتمال العذاب فمثل هذا يقع للمؤمنين الصادقين في بعض اللحظات – وللطاقة البشرية حدود – ولكنهم يظلون يفرقون تفرقة واضحة في تصورهم وشعورهم بين كل ما يملكه البشر لهم من أذى وتنكيل , وبين عذاب الله العظيم فلا يختلط في حسهم أبدا عالم الفناء الصغير وعالم الخلود الكبير , حتى في اللحظة التي يتجاوز عذاب الناس لهم مدي الطاقة وجهد الاحتمال إن الله في حس المؤمن لا يقوم له شيء , مهما تجاوز الأذى طاقته واحتماله . . وهذا هو مفرق الطريق بين الإيمان في القلوب والنفاق
وفى القصص القرآنى فى سورة العنكبوت تتمثل ألوان من الفتن ومن الصعاب والعقبات في طريق الدعوة .
ففي قصة نوح – عليه السلام – تتبدى ضخامة الجهد وضآلة الحصيلة فقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ثم لم يؤمن له إلا القليل (فأخذهم الطوفان وهم ظالمون). .
وفي قصة إبراهيم مع قومه يتبدى سوء الجزاء وطغيان الضلال . فقد حاول هداهم ما استطاع , وجادلهم بالحجة والمنطق: (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا:اقتلوه أو حرقوه).
وفي قصة لوط يتبدى تبجح الرذيلة واستعلانها , وسفورها بلا حياء ولا تحرج , وانحدار البشرية إلى الدرك الأسفل من الانحراف والشذوذ ; مع الاستهتار بالنذير: (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا:ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين). .
وفي قصة شعيب مع مدين يتبدى الفساد والتمرد على الحق والعدل والتكذيبفأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين).
وتذكر الإشارة إلى عاد وثمود بالاعتزاز بالقوة والبطر بالنعمة .
كما تذكر الإشارة إلى قارون وفرعون وهامان بطغيان المال واستبداد الحكم , وتمرد النفاق .
ويعقب على هذا القصص بمثل يضربه لهوان القوى المرصودة في طريق دعوة الله وهي مهما علت واستطالت (كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون).
مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا , وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون . إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شئ وهو العزيز الحكيم وتلك الأمثال نضربها للناس , وما يعقلها إلا العالمون . .
إنه تصوير عجيب صادق لحقيقة القوى في هذا الوجود الحقيقة التي يغفل عنها الناس أحيانا , فيسوء تقديرهم لجميع القيم , ويفسد تصورهم لجميع الارتباطات , وتختل في أيديهم جميع الموازين . ولا يعرفون إلى أين يتوجهون ماذا يأخذون وماذا يدعون ?
وعندئذ تخدعهم قوة الحكم والسلطان يحسبونها القوة القادرة التي تعمل في هذه الأرض , فيتوجهون إليها بمخاوفهم ورغائبهم , ويخشونها ويفزعون منها , ويترضونها ليكفوا عن أنفسهم أذاها , أو يضمنوا لأنفسهم حماها !
وتخدعهم قوة المال يحسبونها القوة المسيطرة على أقدار الناس وأقدار الحياة. ويتقدمون إليها في رغب وفي رهب ويسعون للحصول عليها ليستطيلوا بها ويتسلطوا على الرقاب كما يحسبون !
وتخدعهم قوة العلم يحسبونها أصل القوة وأصل المال وأصل سائر القوى التي يصول بها من يملكها ويجول ويتقدمون إليها خاشعين كأنهم عباد في المحاريب !
وتخدعهم هذه القوى الظاهرة تخدعهم في أيدي الأفراد وفي أيدي الجماعات وفي أيدي الدول فيدورون حولها ويتهافتون عليها كما يدور الفراش على المصباح وكما يتهافت الفراش على النار !
وينسون القوة الوحيدة التي تخلق سائر القوى الصغيرة وتملكها وتمنحها وتوجهها وتسخرها كما تريد حيثما تريد وينسون أن الالتجاء إلى تلك القوى سواء كانت في أيدي الأفراد أو الجماعات أو الدول كالتجاء العنكبوت إلى بيت العنكبوت حشرة ضعيفة رخوة واهنة لا حماية لها من تكوينها الرخو ولا وقاية لها من بيتها الواهن .
وليس هنالك إلا حماية الله وإلا حماه وإلا ركنه القوي الركين .
هذه الحقيقة الضخمة هي التي عني القرآن بتقريرها في نفوس الفئة المؤمنة , فكانت بها أقوى من جميع القوى التي وقفت في طريقها وداست بها على كبرياء الجبابرة في الأرض ودكت بها المعاقل والحصون
لقد استقرت هذه الحقيقة الضخمة في كل نفس , وعمرت كل قلب , واختلطت بالدم , وجرت معه في العروق , ولم تعد كملة تقال باللسان , ولا قضية تحتاج إلى جدل . بل بديهة مستقرة في النفس , لا يجول غيرها في حس ولا خيال .
قوة الله وحدها هي القوة . وولاية الله وحدها هي الولاية . وما عداها فهو واهن ضئيل هزيل ; مهما علا واستطال , ومهما تجبر وطغى , ومهما ملك من وسائل البطش والطغيان والتنكيل .
إنها العنكبوت:وما تملك من القوى ليست سوى خيوط العنكبوت: (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون).
وإن أصحاب الدعوات الذين يتعرضون للفتنة والأذى , وللإغراء والإغواء . لجديرون أن يقفوا أمام هذه الحقيقة الضخمة ولا ينسوها لحظة , وهم يواجهون القوى المختلفة . هذه تضر بهم وتحاول أن تسحقهم . وهذه تستهويهم وتحاول أن تشتريهم . . وكلها خيوط العنكبوت في حساب الله , وفي حساب العقيدة حين تصح العقيدة , وحين تعرف حقيقة القوى وتحسن التقويم والتقدير .
إن الله يعلم ما يدعون من دونه شيء . .
إنهم يستعينون بأولياء يتخذونهم من دون الله والله يعلم حقيقة هؤلاء الأولياء . وهي الحقيقة التي صورت في المثل السابق . . عنكبوت تحتمي بخيوط العنكبوت !
وتختم السورة وهى تطينا صورة للذين جاهدوا في الله ليصلوا إليه ; ويتصلوا به الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا فلم ينكصوا ولم ييأسوا . الذين صبروا على فتنة النفس وعلى فتنة الناس الذين حملوا أعباءهم وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب . . أولئك لن يتركهم الله وحدهم ولن يضيع إيمانهم ولن ينسى جهادهم إنه سينظر إليهم من عليائه فيرضاهم . وسينظر إلى جهادهم إليه فيهديهم . وسينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم . وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء:
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا . وإن الله لمع المحسنين). .[/size] | |
|